بسم الله الرحمن الرحيم
كلمات لمن تملك الحزن قلبه.. وكتم الهمّ نفسه.. وضيّق صدره..
فتكدرت به الأحوال .. وأظلمت أمامه الآمال .. فضاقت عليه الحياة على سعتها... وضاقت به نفسه وأيامه وساعته وأنفاسه !
لاتحزن ..
فالبلوى تمحيص .. والمصيبة بإذن الله إختبار ..
والنازلة إمتحان .. وعند الإمتحان يُكرم المرء أو يهان ..
ماذا عساه أن يكون سبب حزنك ؟
إن يكُن سببه مرض فهو لك خير.. وعاقبته الشفاء ..
قال الله جل وعلا : {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } الشعراء80
وإن يكن سبب حزنك ذنب إقترفته أو خطيئة فتأمل خطاب مولاك الذي هو أرحم بك من نفسك :
{قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الزمر53
وإن يكن سبب حزنك ظلم حلّ بك من قريب أو بعيد ، فقد وعدك الله بالنصر ووعد ظالمك بالخذلان والذل ..
قال تعالى في الحديث القدسي للمظلوم :
{ وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين }.متفق عليه
وإن يكن سبب حزنك الفقر والحاجة ، فاصبر وأبشر ..
قال الله تعالى :
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ
وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } البقرة155
وإن يكن سبب حزنك إنعدام أو قلة الولد ، فلست أول من يعدم الولد.. ولست مسؤول عن خلقه .. قال تعالى :
"
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ
لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ{49} أَوْ
يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً
إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ{50} " الشورى
فهل أنت من شاء العقم ؟ أم الله الذي جعلك بمشيئته كذلك !
وهل لك أن تعترض على حكم الله ومشيئته !
أم هل لأحد أن يلومك على ذلك ..
إنه إن فعل كان معترضاً على الله لا عليك ومغالباً لحكم الله
ومعقّـباً عليه .. فعلام الحزن إذن والأمر كله لله !
لاتحزن
..
مهما بلغ بك البلاء ! وتذكر أن ما يجري لك قضاء يسري ..
وأن الليل وإن طال فلا بد من الفجر !
وإليك أخي وأختي فى الله .. .كلمات نيرة تدفع بها الهموم ..
وتكشف عنك بإذن الله الأحزان ..
أولا : كُن ابن يومك...
إنسي
الماضي مهما كان أمره ، انساه بأحزانه وأتراحه ، فتذكره لايفيد في علاج
الأوجاع شيئاً وإنما ينكد عليك يومك ، ويزيدك هموماً على همومك ..
فلا تحطم فؤادك بأحزان ولت .. ولا تتشاءم بأفكار ماوجدت!
وعش حياتك لحظة بلحظة .. وساعة بساعة .. ويوماً بيوم !
تجاهل الماضي .. وارمِ ما وقع فيه في سراب النسيان .. وامسح من صفات ذكرياتك الهموم والأحزان .. ثم تجاهل ما يخبئه الغد ..
وتفائل فيه بالأفراح .. ولا تعبر جسراً حتى تقف عليه ..
فالماضي عدم .. والمستقبل غيب !
تأمل كيف استعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من الهم والحزن
إذ قال :
{ اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ،
والجبن والبخل ، وقهر الدين وغلبة الرجال }
[ رواه البخاري ومسلم ]
في الصلاة .. في ذكر الله .. في قراءة القرآن .. في طلب العلم ..
في التشاغل بالخير .. في معروف تجده يوم العرض على الله ...
يوم تسعد .. أشغل فيه نفسك بالأعمال النافعة ..
واجتهد في لحظاته بالصلاح والإصلاح .. استثمر فيه لحظاتك
{
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا
عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً
بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }
آل عمران30
ثانياً : تعبد الله بالرضى اجعل شعارك عند وقوع البلاء :
إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيراً منها ..
اهتف بهذه الكلمات عند أول صدمة .. تنقلب في حقك البلية مزية .. والمحنة منحة .. والهلكة عطاء وبركة !
تأمل في أدب البلاء في هذه الآيات الكريمة :
"
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ
الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155}
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا
إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {157} "البقرة
ثالثا ً: افقه سر البلاء
لا تحزن ..
فالبلاء
جزء لا يتجزء من الحياة .. لا يخلو منه غني ولا فقير .. ولا ملك ولا مملوك
.. ولا نبي مرسل .. ولا عظيم مبجل .. فالناس مشتركون في وقوعه .. ومختلفون
في كيفياته ودرجاته ..
{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } البلد4
لا تحزن ..
واستشعر في كل بلاء أنك رُشحت لإمتحان من الله !..
تثبت وتأمل وتمالك وهدئ الأعصاب .. وكأن مناديا ً يقول لك في خفاء هامسا ً ومذكرا ً: أنت الآن في إمتحان جديد .. فاحذر الفشل ..
تأمل قول رسولك الكريم عليه الصلاة والسلام :
{من يرد الله به خيراً يصب منه } [ رواه البخاري ]
رابعاً : لا تقلق
فالمريض سيشفى .. والغائب سيعود .. والمحزون سيفرح .. والكرب سيرفع ..
والضائقة ستزول .. وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ..
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } الشرح5 ؛ 6
لا تحزن..
فإنما كرر الله اليُسْر في الآية .. ليطمئن قلبك وينشرح صدرك ..
وقيل : { لن يغلب عُسر يُسرين }..
خامسا ً: اجعل همك في الله
.. إذا اشتدت عليك هموم الأرض .. فاجعل همك في السماء ..
ففي الحديث :
{
من جعل الهموم هماً واحداً هـمَّ المعاد ، كفاه الله سائر همومه ومن تشعبت
به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك }
[ صحيح الجامع ]
لا تحزن ..
فرزقك مقسوم .. وقدرك محسوم .. وأحوال الدنيا لاتستحق الهموم .. لأنها
كلها إلى زوال .. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور إذا آوى إليك الهم .. فأوي به إلى الله .. والهج بذكره :
( الله الله ربي لا أشرك به أحداً )
( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث )
( رب إني مغلوب فانتصر )
فكلها
أوراد شرعية يُغفر بها الذنب ويَنفرج بها الكرب .. اطلب السكينة في كثرة
الإستغفار .. استغفر بصدق مرة ومرتين ومائة ومائتين وألف .. دون تحديد
متلذذا ً بحلاوة الإستغفار ..
ونشوة التوبة والإنابة ..
{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } البقرة222
اطلب الطمأنينة في الأذكار بالتسبيح ، والتهليل ،والصلاة على النبي الأمين وتلاوة القرآن ،
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } الرعد28
لا تحزن ..
وافزع إلى الله بالدعاء .. تضرع إلى الله في ظلم الليالي .. وأدبار الصلوات ..
اختل
بنفسك في قعر بيتك شاكيا ً إليه .. باكي لديه .. سائلا ً فَرَجه ونَصره
وفتحه .. وألحِّ عليه.. مرة واثنتين وعشراً فهويحب المُلحين في الدعاء ..
{وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ } البقرة186
أسأل الله القدير ليّ ولكم تفريج الكرب وزوال الهم والأحزان
آمين ... آمين يــارب العـــــــــــالمين
البقية: لمن تملك الحزن قلبه